كل من لزمته الجماعة لزمته الجمعة، إذا كان مستوطنا ببناء، ومن شروطها: فعلها في وقتها، وأن تكون بقرية، وأن يتقدمها خطبتان.
وعن جابر قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش، يقول: صباحكم ومساكم. ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة رواه مسلم.
وفي لفظ له: كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك، وقد علا صوته وفي رواية له: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وقال: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه رواه مسلم.
ويستحب أن يخطب على منبر، فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم، ثم يجلس، ويؤذن المؤذن، ثم يقوم، فيخطب، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية، ثم تقام الصلاة، فيصلي بهم ركعتين يجهر بهما في القراءة؛ يقرأ في الأول بسبح، وفي الثانية بالغاشية، أو بالجمعة والمنافقون.
ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل، ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إليها، وفي الصحيحين: إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب، فقد لغوت ودخل رجل يوم الجمعة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: صليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين متفق عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا باب صلاة الجمعة؛ فقد اختصره المؤلف -رحمه الله- وننبه على بعض المسائل المهمة التي لم يذكرها، فمنها: أهمية هذه الصلاة، ومنها: من تلزمه ممن بعيد عنها، ومنها: اشتراطها العدد، كم يكون العدد الذين تلزمهم الجمعة ؟
فأما أهميتها باختصار:
فدليلها أنه -صلى الله عليه وسلم- حث عليها وحذر من التخلف عنها، فثبت عنه أنه قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين ودعهم أي تركهم، لينتهين عن تركهم الجمعة، أي صلاة الجمعة وعدهم الله بأن يختم على قلوبهم.
كذلك أيضا قال -صلى الله عليه وسلم-: من ترك ثلاث جمع تهاونا، طبع الله على قلبه وهو نظير الأول: ليختمن الله على قلوبهم .
فإن الطبع والختم متقاربان، ولكنه في هذا الحديث حدد ثلاث جمع، لأن الجمعة قد يُعفى عنها، وقد تكون -مثلا- لجهل، أو لتهاون، أو نحو ذلك، كذلك الثانية، فإذا تابع ثلاث جمع دل على تساهله بهذه الشعيرة.
الحكمة فيها:
أولا: تحصيل الأجر، تحصيل الأجر بالخطوات إلى المساجد، وتحصيل الأجر بالانتظار، انتظار الإمام حتى يأتي، وتحصيل الأجر بالأعمال التي يعملها، يعني يصلي ما كتب له، وبأن يقرأ مثلا أو ينصت لمن يقرأ، وكل ذلك أجر فإن الإنسان في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تستغفر له: اللهم اغفر له اللهم ارحمه مالم يؤذ أو يحدث.
وثانيا: الاستفادة، لا شك أن الخطب التي تكون في الجمع والأعياد تشتمل على فوائد وتعليمات وأحكام ومواعظ وإرشادات، فينقلب الذي يحضرها وقد تزود علما وقد حصل على فوائد لم يكن يعرفها.
ثالثا: من الحكم التعارف وهو أن أهل القرية إذا اجتمعوا كل أسبوع ولقي بعضهم بعضا وتبادلوا التحية وتعارفوا عرف بعضهم بعضا وسلم بعضهم على بعض وتفقد بعضهم حال أخيه، وعرف من في هذا الوطن من المسلمين الذين يشاركونه في اسم الإسلام، فهذا التعارف من مقاصد الشريعة.
شرع الله تعالى الاجتماع للصلوات كل يوم، اجتماع أهل الحي في المسجد الواحد، وشرع أيضا الاجتماع الأسبوعي وهو اجتماعهم في المسجد الجامع لأهل القرية كلهم، وشرع الاجتماع السنوي لصلاة العيد لأهل البلد أيضا، وشرع الاجتماع العام الذي هو الاجتماع في المواسم في مكة، الذي يعم المسلمين كلهم، وكل هذه الاجتماعات فيها مصالح عظيمة، وهنا نقول: إن الأصل منع التعدد للجُمع،وإن أهل البلد يصلون في جامع واحد، وإذا كان ضيقا حرصوا على توسعته وكلما زاد عددهم حرصوا على توسعته حتى لا يتفرقوا ففي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يجتمعون في المسجد النبوي، يأتون من العوالي من مسيرة ساعة أو ساعتين حتى يصلوا في المسجد النبوي، ولم يكن في عهده تعدد للجوامع السبب أنه يحب أن أهل المدينة كلهم يصلون جماعة واحدة مجتمعين جماعة واحدة في مسجد واحد؛ ليحصل منهم التعارف وليحصل منهم التآلف، وما أشبه ذلك هذا هو الأصل.
ولذلك ذهب كثير من الأئمة إلى أنه إذا أقيمت جمعتان بطلت الثانية، التي في البلد بطلت الثانية التي أقيمت بعد الأولى أو منع إقامة الجمعة في مسجد متجدد وصحت في المسجد القديم، ولهذا كان كثير من مشايخنا لا يركنون إلى الصلاة في الجوامع الجديدة، كان الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله- لا يصلي إلا في المسجد الجامع الكبير، يتخطى من منزله أكثر من أربعة جوامع يمر عليها ويقول: ما تطيب نفسي إلا بالصلاة في هذا لأنه المسجد القديم؛ لأنه المسجد الأول في هذه البلاد، وإذا قرأنا في كتب الفقهاء وجدناهم يشددون فيمنعون إقامة جمعتين في بلد إلا عند الضرورة، في هذه الأزمنة تساهلت اللجنة في الترخيص في كثير من المساجد وإقامة جمعة فيها مع قرب المساجد الأخرى عندها؛ ولكنهم لا يرخصون في إقامة جمعة في مسجد حتى يضيق المسجد الذي يليه بالمصلين، إذا كان يضيق ولا يمكن توسعته رخصوا في المسجد الآخر، وأما إذا لم يكن يضيق بل فيه متسع فلا يرخصون.
وكذلك من تلزمه صلاة الجمعة، منهم من يقول: تلزم من يسمع النداء ومنهم من يقول: تلزم من بينه وبين المسجد فرسخ، ومنهم من يقول: تلزم من يؤويه الليل إلى أهله، أما الذين قالوا: لا تلزم إلا من يسمع النداء فقالوا: إن النداء إذا كان في مرتفع والأصوات هادئة والمؤذن صيّت رفيع الصوت فإن صوته يبلغ أكثر من فرسخ أو يبلغ الفرسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، قد ذكرنا أن الميل قريب من كيلوين إلا ربع، فيكون الفرسخ سبع كيلو، ومعناه أنه يلزم من بينه وبين المسجد سبعة كيلو أن يأتي إليه راجلا أو راكبا، هذا قول.
والقول الثاني قالوا: إنها تلزم من بينه وبين من يؤويه الليل، من آواه الليل إلى أهله، ومعنى ذلك أنه إذا صلى الجمعة وصار إذا ذهب إلى أهله راجلا وصلهم قبل الليل فهو من أهل الجمعة، وهذا قد يستلزم أنه يلزم أن الجمعة تلزم من بينه وبين المسجد مسيرة أربع ساعات،أو نحوها؛ لأنه قد يقال: إن مسيره أربع ساعات أو خمس ساعات في النهار الطويل فدل على أن السلف -رحمهم الله- كانوا يشددون في أمر الجمعة فيلزمون البعيد الذي بينه وبين المسجد أربع ساعات أن يأتي على رجليه، وفي هذه الأزمنة تساهل كثيرون بهذه الشعيرة، نسمع وتسمعون أن كثيرا منهم يذهبون إما يوم الجمعة وإما يوم الخميس سفر نزهة كما يقولون، ثم ينزلون في طرف البلاد، يمكن بينهم وبين البلد إما ديار أو غيرها من القرى ثلاث كيلو أو أربع كيلو، ومع ذلك يصلون قصرا ويتركون هذه الجمعة، لا شك أن هذا قد يخاف عليهم؛ لأنهم يدخلون فيمن ترك الجمعة تهاونا، عندهم سيارات يستطيعون مثلا أن يركبوا سيارتهم أو سياراتهم مسافة ربع ساعة أو نصف ساعة توصلهم إلى المساجد، ويصلون الجمعة لا شك أن تركهم لها تهاون.
يقول المؤلف: بقي مسألة وهي العدد المشترط للجمعة؛ أكثر الفقهاء على أنه لا بد من أربعين وذلك؛ لأن الجمعة من الجمع والعدد القليل لا يسمى جمعا، يعني جمعا كاجتماع، فإذا كانوا عددا قليلا فإنهم يصلون ظهرا، واستدلوا بحديث كعب بن مالك ذكر أن أول جمعة بالمدينة أقاموها كان عددهم أربعين فبذلك اشتهر هذا القول، أنها لا بد أن يكون أهل المسجد أربعين؛ فلذلك إن رأوا أنهم إذا لم يتموا أربعين صلوا ظهرا، هذا قول، وذهب آخرون كالمالكية إلى أنها تصح باثني عشر، واستدلوا بأن في حديث جابر في قصة نزول قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ذكر أنه قدمت عير تحمل طعاما فلما سمعوا بها وهم في المسجد خرجوا حتى لم يبق إلا اثني عشر، لكنهم خرجوا ورجعوا، خرجوا ينظرون إلى هذه العير ثم رجعوا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ فالحاصل أنها دليل على أنها تصح باثني عشر، ولكن قد يقال: إن الذين خرجوا ينظرون، لم تفتهم الصلاة بل رجعوا.
وهناك قول ثالث: إنها تصح بسبعة، ومروي عن شيخ الإسلام وإن لم أره مصرحا في كتبه أنها تصح بثلاثة، ذكر ذلك صاحب الاختيارات ونقله صاحب الإنصاف، أنها تصح بثلاثة: إمام ومؤذن ومستمع وهذا لعله خاص بإذا كانوا بعيدين، بعيدين عن البلاد الأخرى، وكانوا أيضا مستقرين ثابتين في هذا، أقرب مسجد يبعد عنهم يبعد مثلا نصف يوم وهم مستقرون فيرخص لهم في هذه الحال فإنه مع ذلك فالأولى العمل بالعدد الكثير، نقول: كل من لزمته الجماعة لزمته الجمعة، ذكرنا أن الجماعة تلزم الرجال فلا تلزم النساء، وتلزم الصحيح فلا تلزم المريض، وزادوا هنا شرطا آخر، وهو الحرية، فقالوا: العبد مشغول بخدمة سيده والجمعة تحتاج إلى مسافة، فتسقط الجمعة عن العبد، والصحيح أنها لا تسقط، وأما الحديث الذي ذكر في بلوغ المرام: الجمعة حق واجب على مسلم إلا أربعة وعد منهم العبد والمريض والمسافر والمرأة فهذا الحديث لعله خاص بما إذا كان العبد منشغلا، أو كانت المسافة بعيدة، وأما إذا كانت قريبا فإنه يلزمه.
والمؤلف يقول: من لزمته الجماعة لزمته الجمعة، والعبد تلزمه الجماعة، يلزم سيده أن يرخص له يذهب لصلاة الجمعة صلاة الجماعة.
ويزاد شرط ثالث وهو أن يكونوا مستوطنين، فلا تلزم البوادي الذين يحلون ويرتحلون، أهل بيوت الشعر، وذلك، لأنهم غير مستقرين، ولا تلزم المسافرين، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسافر أسفارا طويلة قد تستغرق شهرا أو أربعين يوما أو نحو ذلك ولم يجمع، ومن شروطها فعلها في وقتها، ووقتها مختلف فيه، إذا قيل: إنه من طلوع من وقت النهي، يعني ارتفاع الشمس قيد رمح، إلى آخر وقت الظهر، ودخول وقت العصر، إذا كان ظل الشيء مثليه، هذا نقل عن بعض السلف، ولكن الجمهور أن وقتها وقت الظهر وقد يرخص في تقديمها قليلا، يعني تقديم الأذان وتقديم بعض الخطبة قبل الزوال يجوز ثبت عن الصحابة أنهم كانوا ينصرفون من صلاة الجمعة، يتتبعون الفيء من التبكير، كان يبكر بهم فيتتبعون الفيء أو الظل.
كذلك من شروطها أن تكون بقرية كما ذكرنا، يعني مستوطنين، وأن يتقدمها خطبتان، بعد ذلك ذكر المؤلف هذا الحديث يقول: عن جابر قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم .
الغرض من إيراد هذا الحديث بيان أن الخطبة ينبغي أن تكون حماسية وأن يكون حال إلقائه يظهر عليه أثر الشدة وأثر التفاعل ويحمر وجهه وتحمر عيناه ويرفع صوته، ويظهر الشدة كأنه غضبان، ويتمثل بأنه يخوف الناس، يخوفهم من العذاب صبحكم العذاب، مساكم العذاب، كما يحذر الذي ينذر بالجيش جيش العدو، هذا من صفات الخطبة.
كذلك أيضا مما تشتمل عليه هذه الجملة ينبغي أن تشتمل عليها الخطبة الثانية والخطبة الأولى، أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ذلك يفهم منه أنه يأتي بهذه الجملة كل جمعة، لما فيها من المعاني الجليلة، تذكير بكتاب الله تعالى، وتذكير بهدي وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحث على التمسك بها، ونهي عن المحدثات والبدع، وأنها شر الأمور، ويخبر أيضا بأن في صدر خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحمد الله ويثني عليه وهذا هو المعتاد، ما كان يبدأ خطبته إلا بالحمد، لم يبدأها بغير الحمد، هذا هو المعتاد، يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول.على إثر ذلك وقد علا صوته إلى آخره.
وأما رواية من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له فهذه وردت في خطبة الحاجة، حديث ابن مسعود المشهور إذا كان لأحدكم حاجة فليقل: إن الحمد لله … إلى آخره.
أما حديث: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فهذا يستدل به على أنه يطيل في الصلاة، وأنه يقصر في الخطبة، ولكن ما المراد بالتقصير ؟، وما المراد بالإطالة، طول الخطبة وقصر الخطبة، يقول العلماء: إن الطول والقصر أمر نسبي، ويقولون: إن خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- طويلة، ولأجل طولها يقسمها إلى قسمين يجلس بينهما فهو يطيل في الخطبة، فإذا تعب وسئم جلس، واستراح هنيهة ثم ابتدأ في الخطبة الثانية، فالقسم والجلوس دليل على الإطالة، فإذا الطول والقصر أمر نسبي، فإذا رأينا مثلا من تطول خطبته ساعتين قلنا: هذا يطيل، وإذا رأينا من تكون خطبته نصف ساعة قلنا: هذا يقصر، الإطالة هي الطول الممل الذي يكل ويمل فيه المصلون والمستمعون، العادة أن المستمعين إذا طالت الخطبة يستثقلونها، فهذا هو القصد أن نصف ساعة أو ثلثي ساعة تعتبر قصيرة وأن ساعة، وأن ساعة ونصف أو ساعتين تعتبر طويلة.
فيقول: ويستحب أن يخطب على منبر، والحكمة في ذلك أن يرتفع ويقابل المصلين، ويكون ذلك أيضا أندى لصوته، وذلك قبل وجود الأجهزة المكبرة، وبعد وجودها أيضا، يقابل المصلين حتى يكون ذلك أقرب إلى مشاهدته ومشاهدتهم، إذا صعد أقبل على الناس وسلم عليهم، ويردون عليه، إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ردوا عليه بمثل ذلك، يجلس بعد السلام وقت الأذان، الجمعة لها أذانان، أذان قبل الصلاة بساعة أو بساعة ونصف لتنبيه الناس، وهو الذي شرعه أو أمر به عثمان لما رأى غفلة الناس، والأذان الذي كان على العهد النبوي هو الأذان حين يجلس الخطيب فيجلس حتى يؤذن المؤذن، ثم يقوم فيخطب ثم يجلس ثم يخطب الخطبة الثانية، أي يفصل بينهما بجلسة، وهذه الجلسة للاستراحة، وكان هذا دليل على أنه عليه السلام كان يطيل، فيمكن أن تكون خطبته أو كل من خطبتيه مثلا نصف ساعة، أو ثلث ساعة، كل من خطبتيه، فلذلك يجلس بينهما.
ويمكن أن تكون أكثر من ذلك، بعد ذلك تقام الصلاة، يصلي بهم ركعتين كما هو معروف، يجهر فيهما بالقراءة، والحكمة في ذلك أنه يحضر الجمعة خلق كثير، وقد يكون كثير منهم جهلة فجهر بالقراءة، فيها ولو كانت نهارية حتى يسمعهم ما قد يخفى عليهم، أو قد لا يسمعونه إلا في يوم الجمعة، وقراءته بسبح والغاشية، لأن فيها الأمر بالتذكير، في سورة سبح فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى يذكرهم بأن من يتذكر هو الخاشي هو الذي يخشى الله، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وفي سورة الغاشية فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ فدل على أن حكمة هاتين السورتين لما فيهما من الأمر بالتذكير وأن خطبة الجمعة فيها تذكير، وأما استحباب سورة الجمعة والمنافقين فمروي عن الإمام أحمد ويقولون: إنه مما انفرد به، من مفردات المذهب، ولهذا يقول الناظم:
المفردات إن صلاة الجمعة يقرأ فيها
ســورتها وســورة تليهــا
سورتها يعني سورة الجمعة، والحكمة في سورة الجمعة الأمر فيها لقوله: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلى آخر السورة، والحكمة في سورة المنافقون، الأمر بالذكر لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ من ذكر الله الصلاة، ومن الصلاة صلاة الجمعة.
يستحب لمن أتي الجمعة أن يغتسل، هكذا قال: إنه يستحب، وقد ذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه واجب، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: غسل الجمعة واجب على كل محتلم ولقوله: من أتى الجمعة فليغتسل .
في الغسل ثلاثة مذاهب: قول متشدد، وقول متساهل، وقول متوسط. فالقول المتشدد هم الذين أوجبوه، واستدلوا بهذه الأحاديث، والقول المتساهل فهم: الذين قالوا: كلها سواء الغسل وتركه، وقد يستدلون بحديث: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل حديث سمرة، والذي توسطوا قالوا: يجب في حال دون حال: ونظروا إلى الحكمة في حديث عن عائشة قالت: كان الناس يأتون إلى صلاة الجمعة بثياب دنسة وهم أهل عمل وأبدانهم متسخة، وثيابهم متسخة فإذا صفوا في جانب بعضهم، تأذى البعض من بعضهم، وكان المسجد أيضا مظلما، وليس فيه نوافذ، وليس فيه مكيفات، وليس فيه هواء، فيشتد الحر، وينزل العرق فتتسخ الأبدان وتتسخ الثياب، ويؤذونهم إلى جانبهم فلما اشتكوا اشتكى كثير منهم وقالوا: نتأذى من هؤلاء العمال؛ لأن أكثر أهل المدينة أهل عمل، إما عمل في حروفهم، وإما عمل في تجارتهم، وإما عمل في حرف أو نحوها، وأكثرهم فقراء، لا يجد إلا الثوب الذي على جسده، وقد يبقى الثوب عليه مثلا نصف سنة، قد لا يغسله إلا في الشهر مرة أو الشهرين، فيتسخ فيتضرر، فلأجل ذلك أمروا بأن يغتسلوا في يوم الجمعة حتى يذهب شيء من الوسخ الذي على الأبدان، وأمروا بأن يتطيبوا حتى يكون ذلك الطيب مخففا للروائح، وأمروا بأن يلبسوا أحسن الثياب، حتى يكون ذلك مخففا لزوال الأوساخ التي تكون عليها، وأمروا بالتبكير، أن يذهبوا مبكرين.
وأمروا في حالة الخطبة بالإنصات في الحديث: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ورد من حديث من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له يعني في حالة الخطبة، مأمور أن تسكت وتنصت وتستمع، حتى لو رأيت إنسانا يتكلم تكلمت وقلت: أنصت، فقد لغوت، إنما تشير إليه إشارة خفيفة،، ومس الحصى يعني تسوية الأرض، يعنى الأرض التي كانوا يصلون عليها فيها حصباء، فتسويتها لا تجوز في حالة الخطبة، بل يسويها قبل ابتداء الخطبة أو نحو ذلك، ومن دخل والإمام يخطب أمره الإمام بأن يصلي ركعتين إذا جلس، دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: صليت يا فلان؟ قال: لا. قال: قم فصلي ركعتين فأفاد بأنه يصلي ولو كان حال الخطبة